جُرْثُومَة بِمُهمَّة مَعْلُومَة

برشلونة: مصطفى منيغ

0 955

الريان المغربية – هذا الضعيف المتقاذفة به تيارات الحيرة، المتلاعبة به الشكوك   القاهرة، السابحة بكيانه رياح متاهات بلا حدود مذكورة، ولا تريُّث لراحة السريرة، مهما كانت أملاً مُنتهياً بتحقيق مراد العيش كما أراد عقله ذو المواقف النيِّرة، بعد محاولة معرفة الحياة الرَّحبة الميسورة، دون الغوص في متطلباتها المتواضعة حتى في تعقيداتها المغمورة، المنساقة مع وهم التطور/البدعة المحمود القصد والنتيجة السارة، أو الضال المنجرِّ لبئس القرار حاصد الأشقياء الصغار كالكبار.

…هذا الإنسان الذي لم يُخلَق عبثاً المحتاج مهما تربَّى وتعلَّم وتدرَّج في تحمل المسؤوليات، لمن يلتجئ إليه يخلِّصه ممَّا قد يصيبه من عثرات، أو يحميه من ضياع يلازمه فجأة عن خطأ مُرتَكَبٍ أو قَدَرٍ مُقدَّر، أو خروج مقصود عن طبيعة هو جزء منها لتطَلُّعٍ لا يليق بمقدَّراته، أو حماقة راودته فتمسَّكَ بها عن سوء تخمين رفعته لأعْلَى في لحظات لتهشِّمَ وجوده في سقطة رهيبة قد تستغرق ثواني أو أقل بقليل.

… هذا المخلوق المنساب من ممرٍّ جدّ ضيِّق، الصارخ نهايته عند تلقي أول جرعة تَنَفُّس تُشَغّلُ (وما بعدها) قلبه كما شاءت روح نُفِخَت في جسده منذ كان في مرحلة محسوبة بدقة يعلمها الخالق ولا أحد سواه، ليعمِّر ما شاء له نفس الحساب، بذات الأحاسيس المتكررة منذ آدم إلى الآخر المعاصر نقطة الصفر حيث  لا شيء بعدها في الوجود يتحرك إلاَّ الحيّ القيوم ذي الجلال والإكرام سبحانه وتعالى.

هذا المذكَّر أو الأنثى كلاهما آدمي، رَسَبَ ليكون حليف فقرٍ أو نَجَحَ ليرافق غِنَى، غبيٌّ فانحاز للفتات ينبطح لجمعها قوتاً عن مذلَّة وهوان، محتضناً بسببهما عِلَّة الإدمان، هَرباً من الواقع الأسود المُعاش بما يضيف للعقل من تخدير رخيص، للتمتع بخيالِ مُجونٍ لا فائدة تعقبه ولا مصلحة تعلِّله سوى الارتماء بين أحضان التهلكة المؤدية لأحقر زنزانة أو كُفرِ الانتحار بطريقة من عشرات الطرق.

هذا الهيكل العظميّ، الملبوس لحماً، المُغَطَّى جِلداً، المزروعة فيه أجهزة آيات تلامس الكمال، مرتبطة بعضها ببعض في حكمة، لا تزيغ إحداها عن أداء الوظيفة الموكلة لها على امتداد العمر، سيِّدها القلب، وعدلها العقل، وحارستها المناعة، ورقيبها الضمير، وجُمركها الكبد، ونقلها الدم، ومخابراتها البصيرة، ورابطها بالخارج الشَمَّ، ومختبرها اللمس، وأرشيفها الذاكرة، ومنبِّهها الأعصاب، ومصفاتها الكليِّ، مؤسّسة إنتاج الحياة (على مدار أقل من رمشة عين إلى وداع حتمي لبدء تحوُّل شرحت عالمه الأديان السماوية مختوما بحساب عسير يؤدي لتمتع لا يفنى أو عذاب مستمر يقسى على الأقسى بما هو أقسى) تديرها الروح المتحكمة في أبسط خليَّة بقياس لدقّة صغرها مجهول إلى أكبرها بمفهوم مقبول.

… ذاك الضعيف .. الإنسان .. المخلوق .. الأدمي .. الهيكل العظمي، يقابل جرثومة كائنه حية دقيقة الصغر يتعذر رؤيتها بالعين المجردة يمكن فقط  ملاحقتها بالمجهر المُخصَّص لمثل الاستطلاعات من طرف علماء المجال،  جرثومة تجَرْثَمَت بفعل فاعل لا زال في طي الغيب لتصبح كرونا “كيوفيد-19” كفيروس فاتل يفرز طبقة سميكة من مادة لزجة تشبه الطلاء داخل الرئتين تلتف حول الحويصلات الهوائية لوقع صعوبة التنفس كما ذكر الدكتور “سانجاي موخوباديا”، المتخصص في علم أمراض الرئة.

… يقابل جرثومة لم تمهل الانسان أكان في دولة سادت العالم بما حققته من رفاهية وبُعْدَ تقدم كالولايات المتحدة الأمريكية، أو في ألمانيا طليعة أوربا الصناعية، أو ايطاليا مقر الفاتيكان ، أو في المملكة المغربية السائرة في طريق النمو .

… جرثومة لم تتركه أينما كان حتى التمكن من ابتداع دواء ينقذه مما يواجهه من خطر الموت، وهذا يؤكد بالواضح وليس المرموز أن الحياة البشرية فوق هذا الكوكب لم تعد تطيق ما سلط عليها الإنسان وبخاصة منذ الخمسين سنة الماضية من تجاوزات سدت على أسرارها مختبرات بيولوجية وصل تعنت أصحابها بحثا عن الربح المادي حد التلاعب بجينات حية ما كانت أن تُمسَّ حتى لا يُعبث بوظيفتها الحقيقية المسخرة لمتطلبات استمرار الكائن وسط الغلاف الجوي الحافظ البَسيطة حسب ميزان يقيس حاجياتها على ما ذُكر بمجز العاملين في إنتاج دورة متجددة أربعة مرات حسب فصول السنة إلى نهاية مطاف حتمي. ومتى تطفل عقل خارج المنافع المؤكدة أدركه الميزان المذكور بما يلزمه حصر ما يراد به التشويش على مسار تلك المنافع المحسوم أمرها بعناية، ليصبح ذاك التطفل وعقل صاحبه مصاباً بأذى يعمِّر ما شاء لغاية عودة الطبيعي لطبيعته والصناعي لدوره المحدد بنافعة مهما صَغُرَت تساعد الإنسان على بقائه وليس على تدميره. كل شيء له نقيض أما الاختيار يظل مهما توسع مجاله مرابطا بأصول الطبيعة وقوانينها المدرَكة بالعلم والعقل العاقل حتى لا ينقلب المختار لوباء كالمهيمن حاليا، الذي بغير رحمة الخالق جل وعلا  لن يكون اندحاره ميسورا. لذا على الإنسان التكيُّف مع الطبيعة ويكون لخالقها طائعاً، وإلاَّ وجد لنفسه بغير المتوقع بائعاً.

                                                                                      بقلم: مصطغى منيغ

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

التخطي إلى شريط الأدوات